اليوم عيد الجدات فماذا فعلنا من أجلهن .. ما ذا تبقى من زمن الجدات…

كلامكم : الثلاثاء 24 فبراير 2015 ========== د محمد فخرالدين ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

من لا يفتقد تلك الأصوات المنبعثة من الماضي بكلمات في طعم الحليب الدافئ السائل على فم الرضيع ، من لا يفتقد تلك الحكايات التي بطعم أول شعاع ضوء الفجر المتسلل عبر العتمة ،حيث تأهل الأحلام و تمارس حقها في السكن الجميل داخل المخيلة المتيقظة في عز النوم ، من لا يحس بالحاجة الى تنفس رائحة التراب و الحقول المغمورة بالندى و بشعر السنابل عبر لغة الحكاية و هو ينتقل من بلاد الى بلاد الى بلاد حتى يصل الى بلاد الأحلام حيث الأناني والجشع لا مستقبل لهما ، من منا لا تعجزه الحياة بسرعتها و صخبها و يحتاج إلى محطة استراحة في فضاء الحلم فيفزع من عنف التخييل في ما يقدم من أفلام تحفل بالألم و تربي العنف و الغيرة و الحسد والمنافسة على كل شيئ .. ..

لم تكن الجدة مجرد امرأة مسنة ذات تجربة ، كانت تقريبا مؤسسة تربوية و اجتماعية قائمة الذات ، فهي مربية و معلمة و مسلية ومساعدة اجتماعية للأسرة تساعدها عل تجاوز الكثير من الشقاق والمشاكل ، و أهم شيء تربية الأبناء على القيم الإنسانية من الاحترام و الصدق و العمل ..

هي تحفظ الحكايات و الألغاز و الأمثال و الحكم و حتى وصفات الطب الشعبي ، و تمهر في فن جلب النوم بواسطة الكلام الممتع والمفيد عن طريق الحكي و القدرة على التعبير عن الحياة ، في صوتها من تموجات الجبل و النهر و البحر و السهول الممتدة إلى السماء ، هي المساعدة على تأمين حق الحلم لدى الأطفال في الوفرة والامتلاء و تنشئتهم جماعيا عبر الاعتماد على تحقيق التوازن النفسي بين الخوف و الشجاعة و بين الرغبة و الواقع ، هي المدافعة عن عالم الحق و الإنصاف و العدل بين الجنسين .

و تحت أضواء الشموع الخافتة كم نام على ركبتيها من أطفال بين أغطية الصوف الباردة وحتى من جوعهم حيث أشبعهم السرد لحد تخمة الخيال ببيت من الحلوى ، كله من الحلوى ،أبوابه من الحلوى ، سقفه من الحلوى ، ومفتاحه من الحلوى …أو بقلوش ماء و خبزة قدر السماء ..

فاستسلموا لصوت الحكاية الآتي من بعيد من زمن الكان ما كان ، زمن العدل و الحق و المساواة و الجمال ، زمن الأجواد ، و المنتقل في سيولته من واد الى واد حتى جبل قاف ، و في بعض الأحيان كانت بحكم تجربتها في الشأن التربوي المباشر ، تلعب دور طبيبة نفس حيث كانت بحكاياتها تلك وبإنشادها خلال السرد ، تهدهد المخيلة و تقي الأطفال من المشاعر السيئة الناتجة عن مواد غريبة زاخرة بالتفرد و قلق الهجر ، و التي قد تؤدي إلى العصاب ..

كانت الجدة تزودهم عبر لغة الرمز والتخييل بمواقف وجودية يستطيعون بواسطتها التغلب مستقبلا على مصاعب الحياة ، كما تستبعدهم من حضور المشاهد العائلية حيث يكثر القلق بين الأزواج ..

و حتى عندما تنتهين من السرد تنتقل الجدات ، من الحكاية إلى الواقع بنفس الطريقة التي دخلن بها الحكاية ، بالعتبة ذاتها ، و بالتدرج نفسه و بالرفق وبالليونة نفسها ، بهدوء و تبات كما تستل الشعرة من العجين ، و كأنهن يهيئن خاتمة الحكاية ، و سادة للنوم قد تستل من تحت رؤوس الأطفال دون أن يشعروا بذلك ..

بهذه القدرة على حسن التخلص تقول راوية من الراشيدية في اختتام حكايتها :

ـ خليتهم في الشر و جيت في الهنا

أو تقول راوية من دكالة :

ـ سيرى احجايتى من واد لواد و أنا نبقى مع الناس لجواد

أو تقول راوية من قلعة السراغنة :

ـ سيري احجايتي من ريف لريف

أصبحت الجدات الآن مجرد ذكرى ، و لم يبق من تجاعيدهن الجميلة التي حاكتها الطبيعة و تجربة السنين و لم يفكرن في إزالتها يوما ،ولا من أصواتهن المليء بالحنين شيئا إلا اللمام .

أصبحن يغالبن تغيرات الزمان بدون رعاية صحية أو اجتماعية شاملة، وغالبا ما هن بأمس الحاجة بعد تراخي الروابط الأسرية ، أما ما تبقى من راويات خاصة بالبادية فقد يطالبنك بدراهم هزيلة

أو بشيء من الكسوة مقابل حكي بعض الشذرات من الحكايات التي احتفظت بها الذاكرة المتعبة ..

و أصبح بعض النساء في سن الجدات لا يعرفن شيئا من تلك الحكايات أو الأمثال ، أصبحن بدون ثقافة و قد غسلت أذهانهن بما يشاهدنه من أفلام و مسلسلات مطولة يستمدن منها ثقافتهن الجديدة وقيمهن المعاصرة ..

و نجد بعضهن يتخلين عن دور الجدة ، و يملن اكثر إلى العزلة و إلى الحياة الخاصة و المستحضرات الغير الطبيعية للتجميل غير الحناء و السواك و غيرها ..و ربما بناء حياة زوجية جديدة في هذا السن المتقدم ..

انتهى عصر الجدات الحنونات و الصوت الدافئ ليحل صوت إقريضن ، صوت الربح و المادة ، و دبر راسك و عوم في بحرك ، وتفكك الأسر و تفضيل العيش الفردي على العيش الجماعي وتعويض الأطفال بالحيوانات الأليفة ..كالقطط و الكلاب و حتى الأفاعي كما نجد في البلدان ـ المتقدمة ـ ..

ما زالت الحاجة الى الجدات و ربما ستصير أكثر إلحاحا ، صورة الجدة كمرأة طيبة تحنو على الأطفال و تقدم لهم شهد الكلام وتغرق مخيلتهم في جمالية السرد و التخييل و الإنشاد و التهلال ، وتعيد تنظيم العالم حيث يجازى الخير و يعاقب المسيء ، حيث يجد الأطفال طريقهم وسط غابة الحياة بخيط دقيق من النخالة أو حبات من الفول ..

لا وقت الآن للحكاية ـ فهي لا تساعد على التقدم كما يدعي البعض ، فقد التهمتها الوسائل العصرية و ليس الصورة لأنها مليئة بالصور الجميلة في وقت فقط هو للأرصدة و الاسمنت ..و الاستهلاك والاعتناء بالمظاهر الخارجية ، بينما المعاناة النفسية في أوجها والإحباط و كل مظاهر الفصام ..

و استحضار الكلام الشعبي هنا وارد حيث تورد الذاكرة الشعبية هذه الأبيات في ذم الاعتناء فقط بما هو مادي و إهمال الجوانب الثقافية والروحية :

ابني و علي

و سير و خلي

نهار تموت يولى

بوعميرة قايد

و موكة خليفة

و برارج يعمل

فيها الاستراحة

لا وقت لاجتماعات العائلة ، هو زمن السرعة إذن ، جري علي نجري عليك ، زمن الفتنة بمختلف أشكالها ، تشجيع المظاهر على حساب الجوهر ، و تنمية ثقافة الاستهلاك و التقليد ..

الحاجة إلى صوت الجدة ملح عند الأسر و تقوية الروابط الاجتماعية التي فككها الاقتصاد النقدي عبر السنين من الاكتساح دون الأخذ بالاعتبار الإبقاء على ما هو إيجابي في هذه التقاليد ، دون أن يعطينا بديلا لها غير مؤسسة هجينة هي مؤسسة الخادمات تلك النساء البئيسات و المستغلات في سن مبكر عوض أن يستفدن من كرسي المدرسة ..

أو ـ كريشات ـ قد تكون في بعض الأحيان عبارة عن غيثوهات للأطفال ، و ما ذا لو قمنا بتكوين الجدات من جديد على فن الحكاية والتربية بواسطتها ، ألن يكن مساعدات اجتماعيات جيدات ،هل علينا منذ الآن أن نفكر في استئجار جدات أو استيرادهن من بلد آخر ، لتربية أطفالنا بعد أن تعسر علينا القيام بهذه الوظيفة وحدنا ، و ماذا لو أقمنا سباقا وطنيا للجدات في فن الحكاية ، ألن يكون ذلك رائعا ربما أفضل للمجتمع من تجربة القلم الذهبي ، أم ستظل الجدات مهمشات كما صوت الحكاية …







source منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية http://ift.tt/1ErlwCI
اليوم عيد الجدات فماذا فعلنا من أجلهن .. ما ذا تبقى من زمن الجدات… 4.5 5 Unknown الثلاثاء، 24 فبراير 2015 كلامكم : الثلاثاء 24 فبراير 2015 ========== د محمد فخرالدين من لا يفتقد تلك الأصوات المنبعثة من الماضي بكلمات في طعم الحليب الدافئ السائل عل...


On : الثلاثاء، 24 فبراير 2015,

If you enjoyed this article, sign up for free updates.

author picture

About Author

I'am Unknown, a part-time blogger and template designer from Indonesia who is the founder And Author of تحميل جميع البرامج. I love create Blogger Themes, write about blog design, And Blogspot tweaks. You can subscribe me on G+ @ Unknown .

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق